الأصالة والعمق في العودة الى الثقافة الشعبية

بقلم: علي أزايكو
  • الأصالة والعمق في العودة الى الثقافة الشعبية
  • الادب البربري غني واصيل
  • ميدان واسع لهواة البحث من شبابنا
اذا كانت الثقافة الشعبية قد أصبحت تحظى باهتمام الدول المتقدمة، وإذا كانت هذه الدول تعطي القيمة الكبرى حتى لبعض الثقافات المحدودة، وإذا كان الفكر الانساني في عودة الى التراث الشعبي معتبرا اياه مصدرا هاما من مصادر الثقافة الانسانية، ودرة ثمينة لا مجال لإهمالها نحوتحقيق العالمية المرتجاة والإنسانية الشاملة،  اذا كان الأمر كذلك في بعض الدول المتقدمة فإن الواقع عكس ذلك في دول العالم الثالث على الخصوص. هذا أمر طبيعي في مثل هذه المرحلة الحاسمة التي تجتازها هذه الدول أوبالأحرى هذه الشعوب، انها مرحلة الانفتاح على العالم المتمدن عالم الالة والعلم، مرحلة نفض الغبار ومع نفض الغبار تسقط اشياء ثمينة لم ندرك بعد قيمتها، مرحلة الانعتاق من القيود البالية، قيود التقاليد والخرافات والماضي - المظلم - ، كل هذا حسن نظريا ما دام الفكر الثوري ((موضة العصر)) هوالدافع الى كل هذا.
ولكن المؤسف حقا هوان هذا الفكر الثوري جارف جدا كثيرا ما يتصرف باللاوعي والاندفاع مما يجرده فعلا من كل صبغة ثورية حقيقية. وبذلك يأتي في – الغالب- على الاخضر واليابس فيسق في مكيال واحد الحب والحصى فيكتسبان قيمة واحدة أي ان الكل لا يعدوان يكون حصى لا غير.
ان الناظر المتأمل ليلاحظ كل هذا في بلادنا المغربية العزيزة، التي عرفت هذه المرحلة الحاسمة والتي بدأت بقليل قبل الاستقلال واتخذت شكلا أعنف بعد الاستقلال، حيث اصبح التعلق بالشرق شديدا الى حد العمى عند عدد كبير من المغاربة وخاصة العامة الشعبيين في المدن والمثقفين باللغة العربية. بينما تعلق البعض الاخر بالغرب، ولكن تعلق هؤلاء بالغرب لم يكن كشدته عن الاوائل بالشرق وبين هذه وتلك ضاع وطننا المسكين. اوبعبارة اخرى فقد المغرب المرتبة الأولى التي يمتاز بها الوطن في قلوب أبنائه حتى انه يمكن القول بأن الوعي القومي في هذه المرحلة لم يكن واضحا ولا ناضجا، ولعل لكل ذلك أسبابا اجتماعية وسياسية وتاريخية واقتصادية بطبيعة الحال. ان مرتبة الوطن العاطفية حين تكون موضع مساومة لدليل فعلا على انهيار الوعي القومي عند شعب ما وتلك بداية واضحة للانحطاط الاجتماعي الشامل واضاعة لشخصية الأمة ومقوماتها، ومحولأصالتها التي تكمن في تراثها الشعبي.
وهكذا كانت الثقافة الشعبية المغربية من بين ضحايا التأثر الثقافي الزائد والغير الواعي بالشرق وبالغرب فكان ان ضاع منه الكثير بضياع اهله وهواته أوبانكماشهم أوبنفضهم ايديهم منه واخص هنا الأدب الشعبي الكلاسيكي: ان صح هذا التعبير، اذا اعتبرنا انه ببداية فترة الاستقلال تبدأ فترة جديدة في موضوعها وشكلها واهتماماتها.
واذا ذكرنا الادب الشعبي في بلادنا فأول ما يحضر على البال هوالادب البربري الذي تتسع رقعته في المكان والزمن لتشمل جزءا هاما من بلادنا ولتمتد جذورها الى ماض عريق في القدم، فهوبالفعل احسن معبر عن مشاعر اغلبية ابناء هذه البلاد، المشاعر الرقيقة التي يعبرون عنها بواسطة لغتهم البربرية ادق تعبير وارقه  والمؤسف حقا هوهذا الاهمال الذي يلقاه هذا التراث الوطني الهام من طرف ابنائه  مع ان غناه وغزارته وتنوعه شيء لا يناقش ولا يحتاج الى دليل ومن اراد ان يلمس هذه الحقيقة فما عليه الا ان يتجول عبر القرى والبوادي ليجد في كل قرية ومدشر شاعرا اوشاعرة فأكثر، وليجد في نفس الوقت ان اهل القرية جميعهم مولعون بالشعر والغناء وبكل ما هوجميل من فنون وآداب.
الا ان كل ذلك لا يمنعني من القول بأن المهتمين بالأدب البربري يقلون يوما بعد يوم، ولذلك اسباب عديدة منها ما اشرت اليه سالفا اي طبيعة المرحلة الحالية التي لا يزال مفعولها قويا في البوادي والمدن المغربية.
ولئن كان بعض الشباب يحبون احساسا خفيفا بأهمية هذا الجانب من ثقافتنا، فإن احساسهم هذا لم يتجاوز بعد صدورهم اي ان البادرة العملية لإنقاذه وجمعه لم يظهر لها بعد.
اقول هذا وفي بالي محاولة الاخ احمد امزال الذي جمع اشعارا مختلفة نظمها شعراء بربر ولحنوا بعضها وغنوها في نفس الوقت انها محاولة عملية  اولى لجمع الادب البربري وتدوينه. وبهذه المناسبة لا يفوتني ان اذكر بعض الملاحظات التي فرضت علي نفسها وانا اتصفح هذا الديوان ((أمنار)).
ان اخراج مثل هذا الكتاب محاولة جريئة في حد ذاتها نظرا للحد الذي سيضعه بين فترة الصمت عن الادب البربري واهماله وبين ما اسميه بالعودة اي الرجوع الى الاصالة الشعبية الكامنة في ادبنا شعرا واسطورة وحكاية ...

وقد لوحظ فعلا انه احدث تساؤلات كثيرة ومتناقضة بين عدد من المغاربة، كل وتفكيره ومستواه. فهناك من نظر اليه نظرة واقعية وطنية اي كمحاولة لجمع شتات الاجب الشعبي في هذه البلاد الغنية، وهناك من القى عليه نظرة شزراء ومستغربة في ان واحد ثم هناك من لا يبال. وهذا النوع اللامبالي هوالكثير من بين ابناء بلادنا.
وبما ان المحاولة اولى من نوعها فإنها تظم بعض الاخطاء ليست ذات خطر اولها هوطريقة الكتابة التي استعملها الاخ احمد امزال هذه الطريقة ارى انها ليست عملية نظرا لصعوبة قراءتها حتى على الذين يتقنون البربرية ومرجع هذا هوقلة اهتمام الكاتب بفصل كل كلمة عن اختها فمثلا نجد انه كتب كلمة ((ايان اور)) هكذا ((ايانور)) وكلمة ((د ودي)) هكذا ((دودي)) الى آخره.
وهناك هنات اخرى ترجع فيما اعتقد الى نقص في الحروف المطبعية. مثل عدم وجود حرف ((الكاف)) وفوقه ثلاث نقاط وعدم وجود بعض الاصوات كالصوت الواقع بين الكاف والسين في كلمة ((اسكواس)) السنة.  فقد كتبها هكذا اسكاس مع ان كتابتها بهذا الشكل سيؤدي حتما الى قراءتها خاطئة. ولكي تنطق هذه الكلمة وشبيهاتها نطقا صحيحا من البحث عن اشارة تعبر عن الصوت المذكور.
ثم ان هناك حروفا اخرى مفخمة لا توجد في الحروف العربية التالية: مثل الزاي في كلمة ازاير (الكوس) والراء في كلمة اراض ((الطفل)) ..
النقد الاخر الذي يمكن ان يوجه الى صاحب ((امنار)) هوعدم ذكره لأسماء الشعراء الذين نظموالقصائد الواردة في الديوان مع علمنا انه وضع هذه القصائد . اللهم الا اذا كان لا يعرف من وضعها. 
تلك نظرة سريعة القيتها على امنار الذي اعتبره مع كل ما سبق وثيقة هامة من وثائق ثقافتنا الشعبية التي ارجوان تتبعها محاولات اخرى تكون اساس ونقطة انطلاق  لمعرفة مجتمعنا والتعمق في تفكيره وفلسفته والاحساس بعواطفه الحقيقية التي لا ابالغ اذا قلت انها من الاصالة والدقة بمكان. يعاب علينا تركها للأجانب يمضغونها في غير فهم ولا ادراك.


 علي أزايكو
صوت الجنوب، العدد 3، 30 دجنبر 1968